شرح كتاب النكاح من صحيح البخاري
باب: كثرة النساء
باب من لم يستطع الباءة فليصم.
قال أبو عبد الله اسم> حدثنا عمر بن حفص بن غياث اسم> قال: حدثنا أبي حدثنا الأعمش اسم> قال: حدثني عمارة اسم> عن عبد الرحمن بن يزيد اسم> قال: دخلت مع علقمة اسم> والأسود اسم> على عبد الله اسم> فقال عبد الله اسم> رسم> كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- شبابا لا نجد شيئا فقال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء متن_ح> رسم> .
باب: كثرة النساء.
قال أبو عبد الله اسم> حدثنا إبراهيم بن موسى اسم> قال: أخبرنا هشام بن يوسف اسم> أن ابن جريج اسم> أخبرهم قال: أخبرني عطاء اسم> قال: حضرنا مع ابن عباس اسم> جنازة ميمونة اسم> بسرف اسم> فقال ابن عباس اسم> هذه زوجة النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها وارفقوا فإنه كان عند النبي -صلى الله عليه وسلم- تسع كان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة.
قال أبو عبد الله اسم> حدثنا مسدد اسم> قال: حدثنا يزيد بن زريع اسم> قال: حدثنا سعيد اسم> عن قتادة اسم> عن أنس اسم> -رضي الله تعالى عنه- رسم> أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يطوف على نسائه في ليلة واحدة وله تسع نسوة متن_ح> رسم> .
وقال لي خليفة اسم> حدثنا يزيد بن زريع اسم> قال: حدثنا سعيد اسم> عن قتادة اسم> أن أنسا اسم> حدثهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال أبو عبد الله اسم> حدثنا علي بن الحكم الأنصاري اسم> قال: حدثنا أبو عوانة اسم> عن رقبة اسم> عن طلحة اليامي اسم> عن سعيد بن جبير اسم> قال: قال لي ابن عباس اسم> هل تزوجت ؟ قلت: لا، قال: فتزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء.
قال الله تعالى: رسم> فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ قرآن> رسم> ثم نعرف خلافا بين العلماء، هل الأصل في النكاح التعدد، أم الأصل الإفراد، فالذين قالوا: الأصل التعدد قالوا: إن الله تعالى بدأ به في هذه الآية رسم> مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ قرآن> رسم> وأما الإفراد فقال: رسم> فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً قرآن> رسم> .
والذين قالوا: إن الأصل الإفراد قالوا: إن العدل شديد وثقيل على الكثير، ودليل ذلك قول الله تعالى: رسم> وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ قرآن> رسم> أي أنه شديد، وإذا كان شديدا فالاقتصار على الواحدة أولى؛ لذلك قال: رسم> فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً قرآن> رسم> مع قوله: رسم> وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ قرآن> رسم> إذا مال أحدهم إلى إحدى امرأتيه بقيت الأخرى معلقة، لا أيما ولا ذات زوج تتألم وتلاقي من الصعوبات الشيء الكثير؛ فلذلك فضلوا الاقتصار على الواحدة.
ولكن بكل حال الأحوال تختلف، والقدرات تختلف، فمن وثق من نفسه بأنه يعدل بين المرأتين أو الثلاث أو الأربع، ويعطي كل واحدة حقها؛ فإن الأصل في حقه أن يعدد.
وفي ذلك فوائد منها: كثرة من يعفه من النساء، يعف هذه وهذه وهذه، ومن الفوائد أيضا كثرة من ينفق عليه، ينفق على أولاده وينفق على بناته وينفق على زوجاته، من الفوائد أيضا تكثير النسل، ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة متن_ح> رسم> ومنها أيضا: تحقيق ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- في أسباب الخيرية بقوله: رسم> فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء متن_ح> رسم> .
ثم ذكروا العلماء في كل زمان. فإذا كان كذلك، أضيف إلى ذلك أن الرجال يعتريهم الموت والغزو، وكثرة التعرض للقتل للأشخاص وما أشبه ذلك يحدث الموت فيهم كثيرا، ويحدث القتل؛ فيبقى كثير من النساء بدون أزواج، فمن حكمة الله تعالى أن شرع التعدد؛ حتى لا يبقى أحد من الأيامى بدون زوج يعفها، ويحصل لها منه أولادا ويكون لها منفعة في وجود الأولاد والذرية الصالحة الذين ينفعونها في الحال وفي المآل.
فلذلك ورد هذا الحديث: رسم> أن خير هذه الأمة أكثرها نساء متن_ح> رسم> ولكن ذلك مشروط بما ذكر وهو التحقق من العدل، وإعطاء كل امرأة حقها ونصيبها.
أما الذين لا يعدلون فإنه ورد وعيد في حقهم شديد، ورد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط متن_ح> رسم> يعني علامة على ميله، كأنه لما مال إلى إحداهما عوقب بأن سقط شق أحد شقيه؛ أى مات كالمشلول الشلل النصفي، يظهر عليه .. علامة وعقوبة له على هذا الميل.
ففي هذه الأحاديث أنه -صلى الله عليه وسلم- ذكر أنه يفضل أو يحث على كثرة الزواج، وكثرة النساء.
أما هو -صلى الله عليه وسلم- فأباح الله له ما لم يبح لغيره من أمته؛ أباح له النكاح مدى الأجل حتى اجتمع عنده تسع نسوة، فمجموع الذي تزوجهم إحدى عشرة، وأما الذين اجتمعوا عنده فإنهن تسع وكان من بينهن سودة بنت زمعة اسم> وهي أول من تزوج بعد خديجة اسم> وهي كبيرة في السن، ففي آخر حياته خافت أن يطلقها وأحبت أن تبقى مع نسائه؛ لتكون زوجة له في الآخرة فاصطلحت على أن تتنازل عن ليلتها، وأن تهب ليلتها لعائشة اسم> .
لما رأت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب عائشة اسم> فعند ذلك كان يقسم لعائشة اسم> ليلتين، يقسم لثمان، والبقية إنما لكل واحدة ليلة؛ أي من السبع، فيدور عليهن في كل تسعة أيام إلا أنه يجعل لعائشة اسم> ليلتين، وكان يجتهد في العدل، تقول عائشة : اسم> رسم> كان -صلى الله عليه وسلم- يقسم فيعدل ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك متن_ح> رسم> يعني القلب؛ فإن التسوية في المحبة القلبية غير مقدور عليها، فالله تعالى هو الذي يضع المحبة في القلب.
ذكر في هذه الأحاديث، أو في هذا الحديث أنه كان يدور عليهم في ليلة واحدة، يعني أعطاه الله القوة على أنه يدور على الثمان في ليلة واحدة، فيجمع الغسل، وقيل: إنه يغتسل بعد كل واحدة، يطأ هذه ثم يغتسل، ثم يذهب إلى الثانية، فكذلك.
وقيل في بعض الروايات: إنه يغتسل غسلا واحدا، وبكل حال هذا دليل على أن الله تعالى خصه بهذه الخصيصة في النكاح، حيث أباح له العدد، هذا العدد الذي وصل إلي اجتماع هؤلاء التسع عنده.
وهذا لا يحل لغيره، قال الله تعالى: رسم> إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ قرآن> رسم> إلى آخر الآية، ثم قال تعالى: رسم> تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ قرآن> رسم> تقول عائشة اسم> لما نزلت هذه الآية قلت: أرى ربك يوافق على هواك، أي ما تتمناه وما تهواه، ثم إن الله تعالى منعه من أن يتزوج غيرهن في الآية بعدها؛ لقوله: رسم> لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ قرآن> رسم> يعني بهذه الأزواج أزواجا غيرهن ولو أعجبك حسنهن. فأمسك نساءه اللاتي أحل الله تعالى له.
ثم إن كثيرا من الأعداء في هذه الأزمنة يطعنون فيه ويقولون: إنه شهواني وإنه ليس له هم إلا النكاح، وأنه منع أمته من التعدد، وأباح لنفسه هذا العدد، وأنه ليس له هم إلا شهوة فرجه؛ فيعيبونه في ذلك، وإذا نظرنا في سيرته وإذا هو لم يفعل ذلك لإرضاء الغريزة الشهوانية، ولكن لحكمة أو لحكم؛ وذلك لأن السنة والشريعة تنقسم إلى قسمين: قسم يعرفه الرجال، ويحفظونه، وقسم يختص بالنساء؛ فجعل الله تعالى زوجاته ينقلن السنة التي تختص بالنساء فيما يتعلق بخصائص النساء وحاجاتهن، هذا من الحكمة؛ أن جعل الله له هذا العدد حتى لا تضيع السنة، والشريعة فيما يتعلق بقسم النساء في أمور الحيض وفي أمور النفاس، وفي أمور الطهر والاغتسال، وكيفيته، وما لا يطلع عليه الرجال، وما أشبه ذلك.
ولأجل ذلك حفظ عن نسائه كثير من السنة، روت عائشة اسم> الكثير، حتى زادت أحاديثها على الألف أو قاربت الألفين، وكذلك أم سلمة اسم> وكذلك كثير من نسائه، روين الأحاديث لم يروها الرجال.
ونرد عليهم في قولهم: إنه شهواني، نقول: لو كان كذلك لكان يختار أجمل النساء، ويختار أبكارا؛ فإنه لم يتزوج بكرا إلا عائشة اسم> كل نسائه ثيبات، يعني من المطلقات أو المتوفى عنهن، وأنه أيضا تزوجهن جبرا لأنفسهن، فتزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان اسم> لما مات زوجها وهي بالحبشة، فرأى أن يتزوجها؛ لأجل أن ينجبر ما حصل لها من موت زوجها، وتزوج أم سلمة اسم> لما مات زوجها بعد أن هاجرت معه إلى المدينة اسم> وكانت ذات أطفال، فتزوجها لأجل أن يجبرها.
وكذلك تزوج جويرية بنت الحارث اسم> لما أنها سبيت مع سبي بني المصطلق، وكانت بنت أحد رئيسهم أو شريكهم، وعلم أن الصحابة سوف يعتقون سباياهم، ولما تزوجها أعتق نحو مائة بيت من سبي بني المصطلق وقالوا: أصهار رسول الله-صلى الله عليه وسلم-.
وكذلك تزوج صفية بنت حيي اسم> ؛ لأنه قتل أبوها، وقتل أيضا زوجها، فأراد أن يتزوجها ولو كانت من السبي؛ ليكون ذلك أيضا تأليفا لها وجبرا لها، وكذلك يقال في سائر زوجاته -صلى الله عليه وسلم- أنه تزوجهن لحكمة، وأنه لو أراد أن يتزوج أبكارا لوجد كثيرا.
تزوج أيضا حفصة بنت عمر اسم> لما مات أيضا زوجها، وليكون بينه وبين أبيها عمر بن الخطاب اسم> صلة رحم ومصاهرة وكما حصل لأبي بكر اسم> .
كل ذلك دليل على أنه يحرص على المودة وعلى الرحمة، وعلى التأليف، وعلى إيصال الخير إلى مستحقيه، كل ذلك ظاهر في سنته -صلى الله عليه وسلم-.
مسألة>